مضيق جبل طارق بين تمثلات الفلاسفة والتصورات الأسطورية للشعوب

- بقلم: الدكتور علال خوش(دجنبر2011)  
            -  أستاذعلوم التربية بالمركزالجهوي لمهن التربية والتكوين(فرع خريبكة/ المغرب)
التوطئة: يعتبرمضيق جبل طارق الواقع بين المغرب واسبانيا أحد أهم مضايق العالم ,الذي حظي باهتمام بالغ في مجالات  
مختلفة كعلوم الجيولوجيا و الأثار,والأ نتربولوجيا,وعلم الاجتماع,والتاريخ,والجغرافيا..وعلم البراكين والفيضانات
والزلازل .كما حظي بالأهمية نفسها في حقول معرفية أخرى,خاصة منها الفلسفة والميثولوجيا(علم الأساطير).
ويهمنا التركيزعلى هذين الحقلين المعرفيين الأخيرين لعلاقتهما الوطيدة بهذا المضيق,من حيث تمثلات الفلاسفة له
والتصورات الشعبية الأسطورية عنه منذ العهدالاغريقي القديم الى يومنا هذا...علما أن هذا المضيق له أهمية كبرى
يستمدها,في هذا السياق,من كونه فضاء لقارة مفقودة نتيجة انقسام افريقيا عن أمريكا بفعل الزلازل والبراكين      
والفيضانات ,مما أفرز تعددية واختلاف الأساطير التي حيكت حول هذه القارة المفقودة المسماة " أطلانتس" الغارقة  
في ما يعرف اليوم بالمحيط الأطلسي...
1) -   أفلاطون وأسطورة القارة المفقودة
    كان أول من أثارالانتباه الى هذا المضيق هو,الفيلسوف اليوناني أفلاطون (عام335ق.م),من خلال محاوراته مع رفيقه
   "كريتياس"عن قارة" أطلانتيس",التي حدد موقعها وراء أعمدة هرقل, أوما يعرف اليوم بمضيق جبل طارق,حيث وصفها
   هذا الفيلسوف بأنها قارة مثالية ,تتوفر فيها جميع شروط المد ينة الحديثة(الانارة ,وصنابير المياه التي كانت تصل الى جميع
   البيوت,وينابيع المياه الساخنة والباردة,والحدائق والرياض المفعمة بالاشجارالمثمرة,والورود المزهرة,وكذا الأرصفة
  البحرية ذات الموانئ الحديثة ,وغيرها...).علما أن زمن المدينة سابق عن زمن أفلاطون الذي كان زمنا بدائيا...مما أثار  
  استغراب الباحثين على مر العصور, ففسروا أوصافه على أنها خيال لنموذج مثالي تصوره أفلاطون للمدينة الفاضلة
  التي كان يتمنى وجودها في الحياة..(1)
    1- 1- السياق الفلسفي لأسطورة القارة المفقودة عند أفلا طون
   يذكرافلاطون أن سكان " أطلانتس "كانوا يمتلكون قوة بحرية عظيمة,جعلت الجشع والطغيان والفساد الأخلاقي يتسرب الى  
   نفوسهم التي كانت طيبة نبيلة...وبعد أن قادوا هجوما فاشلا على أثينا , أصابتهم لعنة الالهة بكارثة طبيعية مفاجئة ,فغرقت
   الجزيرة خلال ليلة وضحاها, في وحل ضحل يستحيل معه العثورعليها.
   هذه الحكاية عن القارة المفقودة وراء أعمدة هرقل أو المضيق كما وصفها أفلاطون,تندرج ضمن محاورتين مع رفاقه (محاورة          
   تيماوس  Timaeus,ومحاورة كريتياس Criteaus) في سياق البحث عن الحقيقة في عالم يسموعن كل ما هو مادي محسوس,        
  مفترضا وجود هذه الحقيقة على مستوى الأفكار,بحيث لا تخضع لزمن معين, ماضيا كان هذا الزمن أوحاضرا أومستقبليا..      
   فالوصف التاريخي للواقعة وتحديد مكانها وزمانها لايشكل مضمون المحاورات ,بالقدر الذي هو تمثيل أونموذج رمزي    
   للحقيقة في العالم المثالي ,الذي يطمح اليه كفيلسوف , ألا وهو عالم الفضيلة التي تتميزبالجمال والكمال والسمو عن كل رذائل
  العالم الدنيوي المادي. وبالتالي,فان الحكايات والمحاورات التي جرت العادة بين فلاسفة اليونان القديمة أويعتمدوها كوسائل,
  كانت بمثابة مطية لتمرير نوعين أساسيين من الخطاب :
ا) - خطاب صريح هو,الخطاب الفلسفي المتأ مل في الوجود والانسان..والمعبرعن الفلسفات المتداولة انذاك.
ب)- وخطاب ضمني هو,الخطاب السياسي حول قضايا الحكم في أثينا,وطموح الفلاسفة للسلطة.
 2) – تعددية الأساطيرحول المضيق واختلافها
  في مقابل ذكر أفلاطون لمضيق جبل طارق, تعددت واختلفت الأساطيروالحكايات الشعبية الغريبة حول هذا المضيق,معبرة  
  بذلك عن ارتباطها بالواقع من جهة,وعن امال وطموحات الشعوب وتمثلاتها للقيمة الأزلية لهذا المضيق وما يحمله من دلالات
  الشموخ  وقوة الأحداث التي وقعت فيه من جهة ثانية...ونختزل أهم هذه الأساطيرالشعبية فيما يلي:
2- 1-  أسطورة العملاق " أطلس" : وتذهب الى أن جبل طارق هو,الكتف الأيمن للعملاق " أطلس"العظيم ,الذي كان    
يحرس المضيق منذ الأزل , وأنه عندما انتهى من معاركه الخارقة ضد أعدائه,استلقى في عمق المضيق فغرق
جسده في الماء,بينما بقيت كتفاه بارزتين وهما جبل موسى في الجهة الجنوبية للمضيق التي تشكل الكتف الأيسر,
وجبل طارق في الجهة الشمالية التي تشكل الكتف الأيمن).
     2- 2-  أسطورة شق "هرقل" للمضيق : يقال ان جبل طارق هو, أحد الأعمدة السبعة المحيطة بالمضيق,والمنسوبة                          
لهرقل البطل الأسطوري في الاغريق القديمة..وما المضيق الا نتاج الفعل الذي قام به هرقل ,حيث شقه ليسهل
عملية مروره ما بين البحرين المتوسط والأطلسي أثناء رحلاته البحرية, لأن سفوح جبلي طارق و"هوخو" في سبتة
كانت شديدة الانحدار..
    2- 3-  أسطورة شق ملوك مصرللمضيق: ذكرت هذه الأسطورة في كتاب عن أخبار مصر والمغرب لياقوت الحموي
قال ما مفاده : بعد هلاك الفراعنة,غالبت الروم بعضا من ملوك بني" دلوكة" لانتزاع أراضيهم منهم, فهب ملكان
منهم هما :"دركون بن ملوطس" و"زمطرة"اللذين كانا من ذوي الرأي والكيد والسحر والقوة , ففتقا البحر المحيط
الأطلسي في المغرب(بحرالظلمات),غيرأن مياهه أغرقت الكثير من البلدان والممالك العظيمة,فصارت هذه المياه    
حاجزا بين بلاد الروم وبلاد مصر..
   2- 4-  أسطورة القردة(ماكاك) : لايخلوالعصرالحديث أيضا من الأساطيرحول المضيق,فمنذ أن استولت بريطانيا على
مضيق جبل طارق (سنة1704),وفرضت سيادتها عليها, أصبح الضباط والجنود البريطانيون يؤمنون بأ سطورة  
قديمة مفادها أن الوجود البريطاني في مضيق جبل طارق سينتهي حال انقراض اخر قرد ماكاك من هذا المضيق  
مما دفعهم الى ايلاء الاهتمام والرعاية الكبرى لهذه القردة( السهرعلى تغذيتها ,علاجها,حمايتها من كل مكروه    
يتهددها من السكان الأصليين), الذين لا يجرأون , لأسباب غيبية ومخاوف خرافية ,على التعرض اليها..علما بأن
معظم هؤلاء السكان قد تم ترحيلهم خارج المضيق,واستبدالهم بالوافدين من انجلترا...  
    3)- استنتاج   : من خلال ما تقدم, يتبين أن الفكرقد لعب لدى الفلاسفة ,كما لعبت الأ سطورة لدى الشعوب دورهما الطليعي في        
خلق منا فذ للأ مل والطموح المتجاوزين لاكراهات الواقع,والمنتصرين عليه , تأ مليا كان ذلك أوعلى مستوى
الخيال : فالفكرالانساني سعى الى التأ مل في ذاته وفي الوجود من أجل فهم قوانين الطبيعة المادية والبشرية
وتسخيرها لصالح الانسان ..بينما تجاوزت الأساطيرحدود هذه الطبيعة باللجوء الى الخيال الهائم في الفضاءات
اللامحدودة, منطلقة في ذلك من واقع الأحداث التي تضفي عليها من القوة الخارقة , ومن شجاعة الأبطال واعجازالخوارق ,                         عسى أن تجد  في هذا الخيال ما يشبع رغبا تها في تغييرواقعها المعيش,وتحقيق طموحها نحو الخلود...  
    ~ قراءات للتوسع: - كتاب المحاورات لأفلاطون  
                             -  مقال د,ابراهيم موسى الزقرطي(2007),"مضيق جبل طارق"الموقع الالكتروني  dahsha.com:        
                             -  مقال احمد يحي (2010):" أطلانتس...قارة مفقودة بين الفلسفة ومخيلة العلماء" جريدة عالم  
                                اليوم الكويتية,العدد1493,الموقع الالكتروني:        [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
      1) – بتصرف واضافة من البرنامج التلفزيوني :"ملف الأ سرار" للدكتورنبيل فاروق,عنوان الحلقة   :"لغز أطلانتس".